يها الإخوة القراء! نلاحظ أن كثيراً من الناس يضيعون أوقاتهم، ويهدرونها دون استفادة منها، حتى في الشؤون المادية، ودون استفادة من الشؤون الأخروية، في الطاعة، والعبادة، والتقرب إلى الله في العلم النافع، وفي تحصيل الخير. ففي زماننا هذا، وفي هذه الأيام على وجه التحديد ينشغل كثير من الناس بمتابعة ما يسمى بمباريات كأس الأمم الأوربية، فتجد الناس الآن يتركون أشغالهم، وأعمالهم، ويسهرون إلى الفجر وهم يتابعون هذه المباريات، وكأنها جزء أساسي من حياتهم.
ديننا - أيها الإخوة الأعزاء - لا يمنع الترفيه، ولا يمنع أن يعيش الإنسان حياته بشكل طبيعي، لكن أن يغرق في الرفاهية، وفي قضاء الوقت، بل في قتله كما يسميه بعض الناس، حيث يدعو بعضهم بعضاً إلى سهرة، وعندما يُسألون عما يفعلون يقولون: نقتل الوقت. هذا الكلام يدل على الفراغ الذي أشار إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوله: "نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس؛ الصحة والفراغ". صحيح البخاري. هذا الفراغ ينبغي أن يُستَثمر فيما ينفع، وفيما هو طيب، وصالح ونافع.
أ- الرياضة وكرة القدم:
الآن نجد المقاهي، والمتنزهات، والمطاعم قد نصبت الشاشات العملاقة، والضخمة، ويأتي الشباب، والرجال، ويسهرون وهم يتابعون هذه الكرة التي يتناقلها اللاعبون بين أقدامهم من هنا إلى هناك، هذا ليس مبرراً أن يضيّع الإنسان صلاة الفجر من أجل أن يتابع مباراة لكرة القد، ليس مبرراً أن يضيع الطالب امتحانه، وخاصة أن هذه البطولات عادة ما تُنَظّم في وقت الامتحانات، مثل مباريات كأس العالم، أو كأس الأمم الأفريقية، أو الآسيوية، أو الأوربية... كل البرامج الرياضية غالباً ما تنظم في أوقات الامتحانات، فبدل أن يسهر الطالب على امتحانه والتحضير، إذا به يغرق بمتابعة هذه المباريات، وينسى أن عنده واجباً أساسياً، وهو تحصيل العلم، والدراسة، والتقدم، والتفوق.
ب- المسلسلات المدبلجة:
هناك مسألة أخرى غرق الناس بها، هي المسلسلات المدبلجة، والتي هي موضة هذا العصر، وأنا أسمي هذه المسلسلات بالإعصار الهائج، الذي لم يترك لا شباباً، ولا بنات، ولا رجالاً، ولا أطفالاً إلا وأوقعهم في فخّ هذه المصيدة؛ فخ المسلسلات المدبلجة، الفيروس الخطير الذي اجتاح عالمنا العربي والإسلامي، وبدأ يأخذ طريقه في الانتشار، ويؤسس لمستقبل مجهول في حياة الفن، والتمثيل، وما يسمى بالدراما، وغير ذلك...
- إلى أين تقودنا هذه المسلسلات؟
النتيجة مجهولة، لكن أنا أعرف أن هناك شيئاً يؤسَّس له، وهو إفساد أخلاق الشباب، إفساد الانتماء على هذا الدين، لذلك نلاحظ أن الفضائيات بدأت تتسابق في عرض هذه المسلسلات على قنواتها، وتختار الأكثر منها إثارة وتحريفاً للغرائز والشهوات؛ لتكسب أكبر قدر ممكن من الدعاية، والإعلان، والربح المادي، والاستقطاب الجماهيري. هذا هو واقع ما يسمى اليوم بالمسلسلات المدبلجة إلى اللغة العربية، فيروسات قاتلة تنتقل على هذا المجتمع العربي والمسلم، تحمل إلينا ثقافة مستوردة هجينة، وسلوكاً مستنكراً لا يقر به شرع، ولا دين، ولا أخلاق. طبعاً أنا أعتبر من يتابع هذه المسلسلات هو يهدر وقته، ويضيّعه بما لا ينفع، بل بما يهدّم أخلاق الشباب والبنات، ويسيء إلى القيم الإسلامية العظيمة، وهو نوع من أنواع اللهو الحرام، اللهو غير المباح الذي حذّر الله - سبحانه وتعالى - منه بقوله
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) سورة المنافقون (9). فلا المال، ولا الأولاد، ولا الحياة ينبغي أن تشغلنا وتلهينا عن ذكر الله - سبحانه وتعالى - وطاعته.
-أين تكمن خطورة المسلسلات المدبلجة؟
الناس الآن ربما تنبّه بعضهم إلى خطر هذه المسلسلات المدبلجة التي سيطرت على عقول الشباب، وأحلام البنات، ربما تنبه البعض، وبدؤوا يفكرون بالخطر الذي ينتظر أبناءنا، وشبابنا، ومستقبلنا. قد يقول أحد الناس: "هناك مسلسلات عربية غبر مدبلجة فيها من هذه الإساءة". نعم. المسلسل العربي - أو ما يسمى بالدراما - العربية ظهر خيرها من شرها، واكتشفنا هذه الأمور منذ زمن، وأصبح الإنسان بعقله وفطرته يدرك النافع منها من الضار، ويدرك ما يضيّع وقته مما يستثمره في الخير، لكن هذه المسلسلات بدأت تغزو مجتمعنا العربي بشكل ظاهر، ونلاحظ أن هناك إقبالاً كبيراً عليها، أتدرون ما السبب في ذلك؟ السبب ظاهر وواضح، وهو أنت هذه المسلسلات تقوم على العري، والتحلل من القيم، والجرأة في العلاقات المشبوهة بين الرجال والنساء، وتكسر الحواجز في عالم الشباب والبنات، فهناك حاجز من الفضيلة، والحياء، والعفة، والطهارة، والنقاء... هذه الحواجز كُسرت، والآن كثير من الشباب يفكرون بأن يقيموا علاقات محرّمة وغير شرعية مع البنات؛ ليحققوا أحلامهم، وطموحاتهم، وتطلعاتهم... المسلسلات المدبلجة تقوم على الحب المحرم، وعلى الحمل من الزنا، وعلى المشاهد الغرامية، واللقطات الساخنة، والعلاقات غير الشرعية، مع شيء من التطاول على حرمة الدين، والدعوة إلى التخلي عن مبادئه، والعبث بالمسلّمات الإيمانية، وما عُلم من الدين بالضرورة... تحاول هذه المسلسلات أن تقضي على ذلك كله، وتنسخه من عقول شبابنا، وبناتنا، ونسائنا، ورجالنا، حتى إن الناس اليوم أصبحوا يتندرون بأسماء الممثل الفلاني، والممثلة الفلانية، وهل سيذهبون إلى الدولة الفلانية حتى نشاهدهم؟ لا أريد أن أذكر الأسماء؛ حتى لا أساهم بشهرة هؤلاء إضافة إلى انتشارهم الكبير.