لا بد وأنت تجالسه أن تتكلم بصوت منخفض، لا لشيء، وإنما هو الشخص الذي تقابله، فهو يتسم بالهدوء، بالصبر، وبالحنكة، اعتمد في حياته أن يكون المبادر في كل شيء، مدينته "طيبة الإمام" عشقه، وتعلقه، فكان أول أبنائها الذين تصدّوا لتسجيل تاريخها، وهاجسه الثقافي كان دافعه ليكون أول من تصدى لمشروع مركز ثقافي في مدينته.
هو "محمد عارف قسّوم" والشهير بـ"أبي عارف" من مواليد "طيبة الإمام" في العام 1975، حاصل على شهادة جامعية في الأدب العربي من جامعة "حلب" في العام 1997، متزوج، ورزق بثلاث فتيات "فاطمة الزهراء"، و"الفردوس"، والفيحاء" واسم كل واحدة منهن عنوان قصيدة في ديوانه الجديد.
ويشغل منصب مدير الثقافة في محافظة "حماة" منذ العام 2005
التقاه في مكتبه يوم الخميس 16/4/2009، ليحدثنا عن حياته كشاعر، وباحث، ومديراً لثقافة محافظة مترامية الأطراف.
عن نشأته يقول: «أنا من بيئة كادحة، محبة للعلم والثقافة، ولدت وسط بيت يضم في جنباته مكتبة كبيرة، هي ملك لشقيقي الأكبر والوحيد "عبد القادر"، وكنت شديد التعلق بهذه المكتبة، فلم أدع فيها كتاباً إلاّ وقرأته، كنت حينها في سنٍّ صغيرة».
ويضيف: «ومتى بلغت سن البحث عن المعلومة، بدأت أتابع أغلب الإصدارات والدراسات التي اختصت في الجانب الأدبي، خاصة في مجال الشعر، كذلك كان لي اهتمام في الدراسات التاريخية، والعلوم الإنسانية، كما أنني كنت من المواظبين على قراءة الجريدة اليومية، رغم كل الانشغالات، فهي تشكل لدي وجبة أساسية يومية لا بد منها».
ويتحدث لنا عن المركز الثقافي في "طيبة الإمام" فيقول: «هاجسي هو الثقافة، ومدينتي بدأت بالاتساع، سكانها متعلمون، ومثقفون، فقط ينقصها المكان الذي يوفر لهم اللقاء بالمثقفين من خارج
المدينة، من هنا سعيت أن يحدث مركزاً للثقافة في "طيبة الإمام"، وتقدمت بطلب إلى وزارة الثقافة، وجاءت الموافقة على إحداث مركزاً للثقافة في هذه المدينة، كان ذلك في العام 2000، ولي شرف أني كنت أول مدير له».
من مركز محدث يحتاج إلى الكثير كي يقارع المراكز الثقافية، إلى مدير يقود الحركة الثقافية في محافظة برمتها، وعن هذا يقول: «عندما تم ترشيحي لمنصب مدير الثقافة في "حماة" عرفت جيداً أنني أمام مهمة صعبة، ولكنني شعرت بحجم كبير للمسؤولية، وهذا ما دفعني لأن أكون عند حسن الظن بنا، وعلى قدر الثقة التي منحت إلي، ولم يأت هذا من فراغ، بل نتيجة ذلك العمل المتواصل ليل نهار في خدمة الثقافة، انطلاقاً من مدينتي أولاً، وفي محافظتي لاحقاً».
وعن التجديد في منظومة عمل المديرية منذ تسلمه إدارتها، يقول: «عدة مشاريع قمنا بها، فقد أسسنا في العام 2008 لمؤتمر تاريخي سنوي يحمل اسم "مؤتمر حماة للتاريخ والحضارة عبر العصور" ونحن نحضّر للدورة الثانية في النصف الثاني من هذا العام 2009. وفي هذه الأيام عشنا فعاليات "مهرجان حماة الثاني للفنون الشعبية" والذي انطلقت دورته الأولى عام 2008، كذلك أدرجنا في نشاطات المديرية ما يسمى "لقاء الاثنين الثقافي" نستضيف فيه وبشكل دوري أحد أعلام الثقافة والفكر من أبناء
المحافظة، وهذا اللقاء يشكل جسراً للتواصل بين هذه الشخصيات، والمتلقي بشكل عام، والناشئة بشكل خاص».
ويتابع حديثه بالقول: «وكنا قد أسسنا في العام 2008 "مهرجان الطفولة في محافظة حماة" وهذا العام ستكون الدورة الثانية. إضافة إلى النشاطات الثقافية الأخرى والمهرجانات التي تقوم بها المديرية، والمراكز المنتشرة في أغلب أرجاء المحافظة».
ويتحدث عن أول كتبه التأريخية فيقول: «هو كتاب يخص مدينة "طيبة الإمام" وعنوانه "طيبة الإمام.. البعد الذي لا يقاس"، فالمكان الذي ينشأ عليه الإنسان يكتسب أهمية خاصة في وجدانه، وشعوره، ولقد كان تعلقي كبيراً بمدينتي، وهذا التعلق شكّل حافزاً قوياً لكي أقدم لها بعض ما تستحق، فربما أستطيع يوماً أن أوفي لها ببعض الدّين الذي برقبتي، خاصة وأنه لم يسبق لأحد من أبناء المدينة أن كتب دراسة كالتي قمت بها وزاد حماسي للموضوع، الأهمية التاريخية والثقافية التي تتمتع بها المدينة، وقد استمر العمل في الكتاب لمدة عامين، ولا أخفيك بأن قلم الشاعر قد غلب على قلم المؤرخ في بعض الأحيان أثناء إعداد الكتاب، إلا أن ذلك لم يؤثر أبداً على صدقية الحقائق التاريخية التي أثبتّها».
وندخل في عوالم "محمد قسّوم" الشعرية، وهنا يتحدث بلغة الإنسان الشاعر، الشغوف، فيقول: «ولعي بالشعر، كولع الإنسان في حياة مديدة، جذبتني الصورة الشعرية، قرأتها وأنا
الشعر وحي وإلهام
طفل صغير، عبثت بها وأنا في سن البلوغ، وأدركتها وأنا أبحث في طياتها عن مكان يظللني من سماء امتلأت بكبار الشعراء. كتبت الشعر ولي ديوانان مطبوعان هما "حداء الحزن والآمال" وصدر عام 1998، والثاني "فسيفساء على جدار القلب" وصدر عام 2001، وهناك مجموعتان قيد الطبع».
ويضيف: «كتبت القصيدة بشكلها العمودي، كذلك قصيدة التفعيلة، وأنا من الذين يؤمنون بأن القصيدة وحي وإلهام، ولكن المهم أن تتجسد شعراً بغض النظر عن القالب الذي تأخذه».