نبيُّ اللهِ سُليمانُ علَيهِ السّلامُ الذي أَعطاهُ اللهُ مِنَ المُلكِ مَا لا يَنبَغِي لأحَدٍ مِن بَعدِه،الذي أَعطَاهُ اللهُ مِنَ المُلكِ مَا لا يَنبَغي لأحَدٍ غَيرِه،كانَ إذَا صَلّى الصّبحَ تَنبُتُ في مُصَلاهُ أي في المكانِ الذي كان يُصلّي فيهِ شَجرةٌ فتُحدِّثُه،هيَ الشّجَرة بقُدرةِ اللهِ تَنطِقُ فتُحدِّثُه أنَا لكَذا أنَا لكَذا،تقُولُ الشّجرةُ خُلِقتُ لكَذا
ثمّ قَبلَ وفَاتِه نبتَتْ شجَرةٌ تُسمَّى الخُرنُوب ويقالُ لها (الخَرُّوب) فقال أنتِ لماذَا خُلِقتِ قالت أنَا لخَرابِ هَذا البيتِ،أو لخَراب هذا المسجِد،فعَلِمَ أنّ أجَلَهُ قَرُبَ،فقَالَ يَا ربِّ أَعْمِ مَوتي عن الجِنّ،أَخْفِ مَوتي عن الجنّ،مَعناه أمِتْني مِن حَيثُ لا تَعلَمُ الجنُّ أنّي قَد مِتُّ،أَمِتْني وأَخْفِ مَوتي على الجِنّ،أي اجْعَل مَوتي لا تَعلَمُ بهِ الجِنّ،
كانَ يُصَلّي قائمًا ومُتّكئًا،وهوَ في الصّلاةِ كانَ مُتّكئا على عصَاهُ فقَبضَ اللهُ رُوحَهُ،ظَلّ عامًا كامِلا،حَولا كاملا وهوَ قَد مَاتَ،الجِنُّ لم يَعلَمُوا بموتِه، ظَلُّوا يَشتَغِلُونَ الأشغالَ التي هو كلَّفَهُم إيّاهَا،الأعمالَ الشّاقّةَ،هُمُ الجِنّ الكفّار ليسُوا الجنَّ المؤمنينَ،اللهُ تَعالى قهَرهُم لسُلَيمانَ،كانُوا مَقهُورِينَ إذَا خَالَفُوا أَمْرَ سُلَيمانَ اللهُ تَعالى يُنزّلُ علَيهِم عَذابًا في الدّنيا في الحالِ،عَذابًا يُهلِكهُم،يُنزلُ علَيهِم هَلاكَهم،لذلكَ كانُوا يُطِيعُونَهُ،
ظَلُّوا سَنةً كامِلةً يَشتغِلُونَ بالأعمَالِ التي هو كلَّفَهُم إيّاهَا ولم يَشعُروا بموتِه،ثم تَسلّقَتِ الأرَضَة على عَصاه فأَكَلَتْها فخَرَّ سُلَيمانُ،وقَعَ،فعَلِمَتِ الجِنُّ بموتِه،وعلِمَت الجنُّ أنهم لا يَعلَمُونَ الغَيبَ وأَنهم لَو كانُوا يَعلَمُونَ الغَيبَ مَا لَبِثُوا في العَذابِ المهِين سَنةً كامِلةً،في الأعمالِ الشّاقّةِ التي كانَ سليمانُ مَسّكَهُم إيّاها،وعَلِمَ البَشرُ أيضًا أنَّ الجِنّ لا تَعلَمُ الغَيبَ،
قال الله تعالى{وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ المهِين.(14)قوله أوِّبي معه قال الزجاج المعنى وقلنا يا جبال أوبي معه أي رجِّعِي معه والمعنى سبّحي معه.
{ سَـابِغَـاتٍ } دروعاً واسعة تامة من السُّبوغ وهو أول من اتخذها ، وكان يبيع الدرع بأربعة آلاف فينفق منها على نفسه وعياله ويتصدق على الفقراء.
{ وَقَدِّرْ فِى السَّرْدِ } لا تجعل المسامير دقاقاً فتُقلق ولا غلاظاً فتَفصِم الحَلَق ، والسَّرْد : نسج الدروع. { وَلِسُلَيْمَـانَ الرِّيحَ } [الأنبياء : 81] أي وسخرنا لسليمان الريح وهي الصّبا.
{ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ } جريها بالغداة مسيرة شهر وجريها بالعَشِيّ كذلك.
{ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ } [سبأ : 12] أي معدِن النحاس فالقِطر النحاس وهو الصُّفر ولكنه أساله وكان يسيل في الشهر ثلاثة أيام كما يسيل الماء وكان قبل سليمان لا يذوب ، وسماه عين القطر باسم ما آل إليه
{ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ } أي وسخرنا من الجن من يعمل
{ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ } بأمر ربه
{ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ } ومن يعدِل منهم
{ عَنْ أَمْرِنَا } الذي أمرنا به من طاعة سليمان
{ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ } عذاب الآخرة.
وقيل : كان معه ملك بيده سوط من نار فمن زاغ عن أمر سليمان عليه السلام ضرب ضربة أحرقته،وهذا هو القول الراجح
{ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَـارِيبَ } أي مساجد أو مساكن
{ وَتَمَـاثِيلَ } أي صور السباع والطيور.
وروي أنهم عملوا له أسدين في أسفل كرسيه ونسرين فوقه فإذا أراد أن يصعد بسط الأسدان له ذراعيهما وإذا قعد أظله النسران بأجنحتهما وكان التصوير مباحاً حينئذ
{ وَجِفَانٍ } جمع جَفْنة
{ كَالْجَوَابِ } جمع جابية وهي الحِياض الكبار.
قيل : كان يقعد على الجَفنة ألفُ رجل.
{ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَـاتٍ } ثابتاتٍ على الأثافي لا تنزل عنها لعظمها.
فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ } أي على سليمان
{ مَا دَلَّهُمْ }أي الجن وآل داود
{ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَآبَّةُ الأرْضِ } أي الأرضة وهي دُوَيبَّةٌ يقال لها سُرفَة والأرضُ فعلها فأضيفت إليه.
يقال : أرضت الخشبة أرضاً إذا أكلتها الأرضة
{ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ } والعصا تسمى مِنسأة لأنه يَنسأ بها أي يَطرد .
فالله تعالى يُطلِعُ الأنبياءَ على كثيرٍ منَ الغَيب،ويُطلعُ الأولياءَ أيضًا على بعضِ الغَيبِ،والملائكةُ يُطْلعُهم على كثيرٍ منَ الغَيبِ،يُعطِيْهِم عِلمًا بحَوادِثَ قَبلَ أَن تحدُثَ،والجِنُّ فِيهِم أولياء،فيهِم أُناسٌ مؤمنُونَ صُلحاء أتقياء يحافِظُونَ على حقُوقِ اللهِ وحُقوقِ العِبادِ كمَا يُوجَدُ في البشَرِ أَولياء،أولياؤهم يجُوز أن يُطلِعَهُم اللهُ بالنّورِ الذي ألقَاهُ في قُلوبهِم على أشياءَ مِن الخفِيّات،لكن أكثَرُهم كفّارٌ،يقالُ لهم شياطين،مَن أَسلَم مِنهُم يُقالُ لهُ مؤمنُ الجِنّ،ومَن لم يُسلِم وبقِيَ على مُتابعَةِ جَدّهِ الأكبَر إبليس يقالُ لهُ شَيطان،ثم هُم أنواعٌ منهُم نصَارى ومنهُم يهُود ومنهُم مجُوس ومنهُم بُوذِيّونَ إلى غَيرِ ذلكَ،كالإنسِ لهم أَديانٌ مختَلفةٌ.